الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{أفلا يَعْقِلونَ} قرأ نافع، وأبو عمرو: {أفلا تعقلون} بالتاء، والباقون بالياء.والمعنى: أفلا يعقلون أنَّ مَنْ فعل هذا قادر على البعث؟!.قوله تعالى: {وما علَّمْناه الشِّعر} قال المفسرون: إِن كفار مكة قالوا: إِنَّ هذا القرآن شِعْر وإِن محمدًا شاعر، فقال الله تعالى: {وما علَّمْناه الشِّعْر} {وما ينبغي له} أي: ما يتسهَّل له ذلك.قال المفسرون: ما كان يَتَّزن له بيتُ شِعر، حتى إِنه روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه تمثَّل يومًا فقال: «كَفَى بالإِسلامِ والشَّيْبِ لِلْمَرْءِ ناهِيًا» فقال أبو بكر: يا رسول الله، إِنما قال الشاعر:
أَشهدُ أنَّكَ رسولَ الله، ما علَّمكَ اللهُ الشِّعر، وما ينبغي لك، ودعا يومًا بعباس بن مرداس فقال: أنت القائل: فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي، لم يقل كذلك، فأنشده أبو بكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَضُرُّكَ بأيِّهما بدأتَ»، فقال أبو بكر: والله ما أنت بشاعر، ولا ينبغي لك الشِّعر، وتمثَّل يومًا، فقال: فقال أبو بكر: ليس هكذا يا رسول الله، فقال: «إِنِّي لستُ بشاعر، ولا ينبغي لي» وإِنما مُنِعَ من قول الشِّعر، لئلا تدخُل الشُّبهة على قوم فيما أتى به من القرآن فيقولون: قوي على ذلك بما في طَبْعه من الفطنة للشِّعر.قوله تعالى: {إِنْ هو} يعني القرآن {إِلاّ ذِكْرٌ} إِلا موعظة {وقرآنٌ مُبينٌ} فيه الفرائض والسُّنن والأحكام.قوله تعالى: {لِيُنْذِرَ} قرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: {لِيُنْذِرَ} بالياء، يعنون القرآن.وقرأ نافع، وابن عامر، ويعقوب: {لِتُنْذِرَ} بالتاء، يعنون النبيَّ صلى الله عليه وسلم، أي: لِتُنْذَرَ يا محمَّدُ بما في القرآن.وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وابن السمفيع: {ليُنْذَرَ} ياء مرفوعة وفتح الذال والراء جميعًا.قوله تعالى: {مَنْ كان حَيًّا} وفيه أربعة أقوال.أحدها: حيّ القلب حيّ البصر، قال قتادة.والثاني: من كان عاقلًا، قاله الضحاك.قال الزجاج: من كان يَعْقِل ما يخاطَب به، فإن الكافر كالميت في ترك النذير.والثالث: مهتديًا، قاله السدي وقال مقاتل: من كان مهتديًا في عِلْم الله.والرابع: من كان مؤمنًا، قال يحيى بن سلام؛ وهذا على المعنى الذي قد سبق في قوله: {إِنَّما تُنْذِرُ الذين يَخْشَوْنَ ربَّهم} [فاطر: 18]، ويجوز أن يريد: إِنما يَنفع إِنذارُك مَنْ كان مؤمِنًا في علم الله.قوله تعالى: {ويحقَّ القول على الكافرين} معناه: يجب.وفي المراد بالقول قولان.أحدهما: أنه العذاب.والثاني: الحُجَّة.ثم ذكَّرهم قُدرته فقال: {أوَلَمْ يَرَوْا أنَّا خَلَقْنا لهم ممّا عَمِلَتْ أيدينا أَنعامًا} قال ابن قتيبة: يجوز أن يكون المعنى: ممّا عَمِلْناه بقوَّتنا وقدرتنا، وفي اليد القُدرةُ والقُوَّةُ على العمل، فتُستعارُ اليدُ فتُوضَع موضعها هذا مَجازٌ للعرب يحتملُه هذا الحرف، والله أعلم بما أراد.وقال غيره: ذِكْر الأيدي ها هنا يدلُّ على انفراده بما خَلَق، والمعنى: لم يشاركْنا أحد في إِنشائنا؛ والواحدُ مِنّا إِذا قال: عملتُ هذا بيدي، دلَّ ذلك على انفراده بعمله.وقال أبو سليمان الدمشقي: معنى الآية: ممّا أَوجدْناه بقُدرتنا وقوَّتنا؛ وهذا إِجماعٌ أنه لم يُرد هاهنا إلا ما ذكرْنا.قوله تعالى: {فهُم لها مالكونَ} فيه قولان.أحدهما: ضابطون، قاله قتادة، ومقاتل.قال الزجاج: ومثله في الشِّعر: أي: لا أَضبِط رأس البعير.والثاني: قادرون عليها بالتسخير لهم، قاله ابن السائب.قوله تعالى: {وذلَّلْناها لهم} أي: سخَّرْناها، فهي ذليلة لهم {فمنها رَكُوبُهم} قال ابن قتيبة: الرَّكُوب: ما يَرْكَبون، والحَلوب: ما يَحْلُبُون.قال الفراء: ولو قرأ قارىءٌ: {فمنها رُكُوبُهم} كان وجهًا، كما تقول: منها أكلهم وشُربهم ورُكوبهم.وقد قرأ بضم الراء الحسن، وأبو العالية، والأعمش، وابن يعمر في آخرين.وقرأ أُبيُّ بن كعب، وعائشة: {رَكُوبَتُهم} بفتح الراء والباء وزيادة تاء مرفوعة.قال المفسرون: يركبون من الأنعام الإِبل، ويأكلون الغنم، {ولهم فيها منَافعُ} من الأصواف والأوبار والأشعار والنَّسْل {ومَشاربُ} من ألبانها، {أَفَلا يَشْكُرونَ} ربَّ هذه النِّعم فيوحِّدونه؟!.ثم ذكر جهلهم فقال: {واتَّخَذوا مِنْ دون الله آلهةً لعلَّهم يُنْصَرون} أي: لتمنَعهم من عذاب الله؛ ثم أخبر أن ذلك لا يكون بقوله: {لا يستطيعون نَصْرَهم} أي: لا تَقْدِرُ الأصنام على منعهم من أَمْرٍ أراده اللهُ بهم {وهُمْ} يعني الكفار {لَهُمْ} يعني الأصنام {جُنْدٌ مُحْضَرونَ} وفيه أربعة أقوال:أحدها: جُنْدٌ في الدنيا مُحْضَرونَ في النار، قاله الحسن.والثاني: مُحْضَرونَ عند الحساب، قاله مجاهد.والثالث: المشركون جُنْدٌ للأصنام، يَغضبون لها في الدنيا، وهي لا تسوق إِليهم خيرًا ولا تدفع عنهم شرًّا قاله قتادة.وقال مقاتل: الكفار يَغضبون للآلهة ويَحْضُرونها في الدنيا.وقال الزجاج: هم للأصنام ينتصرون، وهي لا تستطيع نصرهم.والرابع: هم جُنْدٌ مُحْضَرون عند الأصنام يعبدونها، قاله ابن السائب.قوله تعالى: {فلا يَحْزُنْكَ قولهُم} يعني قول كفار مكة في تكذيبك {إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ} في ضمائرهم من تكذيبك {وما يُعلِنونَ} بألسنتهم من ذلك؛ والمعنى إِنا نُثيبك ونجازيهم.قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الإِنسانُ أَنَّا خَلَقْناه مِنْ نُطْفة} اختلفوا فيمن نزلت هذه الآية والتي بعدها على خمسة أقوال:أحدها: أنه العاص بن وائل السهمي، أخذ عَظْمًا من البطحاء ففتَّه بيده، ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُحْيي اللهُ هذا بعد ما أرى؟ فقال: «نعم، يُميتُكَ الله ثُمَّ يُحْييكَ ثُم َّيُدخلكَ نار جهنَّم» فنزلت هذه الآيات، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.والثاني: أنه عبد الله بن أُبيّ بن سلول، جرى له نحو هذه القصة، رواه العوفي عن ابن عباس.والثالث: أنه أبو جهل ابن هشام وأن هذه القصة جرت له، رواه الضحاك عن ابن عباس.والرابع: أنه أُميَّةُ بن خَلَف، قاله الحسن.والخامس: أنه أُبيُّ بن خَلَف الجُمَحي، وهذه القصة جرت له، قاله مجاهد، وقتادة، والجمهور، وعليه المفسِّرون.ومعنى الكلام: التعجُّب مِنْ جهل هذا المخاصِم في إِنكاره البعث؛ والمعنى: ألا يَعلم أنه مخلوق فيتفكر في بدء خلقه فيترك خصومته؟! وقيل: هذا تنبيه له على نعمة الله عليه حيث أنشأه من نطفة فصار مجادلًا.{وضرب لنا مثلًا} في إِنكار البعث بالعَظْم البالي حين فتَّه بيده، وتعجَّب ممن يقول: إِن الله يُحْييه {ونَسِيَ خَلْقَهُ} أي: نَسِيَ خَلْقَنا له، أي: تَرَكَ النَّظَر في خَلْق نفسِه، إِذ خُلِق من نُطْفة.{قال من يُحْيِي العظامَ وهي رَميمٌ}! أي: بالية يقال: رَمَّ العَظْمُ، إِذا بَلِيَ، فهو رَمِيمٌ، لأنه معدول عن فاعله، وكل معدول عن وجهه ووزنه فهو مصروف عن إِعرابه كقوله: {وما كانتْ أُمُّكِ بَغِْيًّا} [مريم: 28]، فأسقط الهاء لأنها مصروفة عن باغية؛ فقاس هذا الكافر قُدرة الله تعالى بقُدرة الخَلْق، فأنكر إِحياء العظم البالي لأن ذلك ليس في مقدور الخَلْق.{قُلْ يُحْييها الذي أَنشأهَا} أي: ابتدأ خَلْقها {أَوَّلَ مَرَّةٍ وهو بكُلِ خَلْقٍ} من الابتداء والإِعادة {عليمٌ}.{الذي جَعَلَ لكم مِنَ الشَّجر الأخضر نارًا} قال ابن قتيبة: أراد الزُّنُودَ التي تُورِي بها الأَعرابُ من شجر المَرْخِ والعَفَار.فإن قيل: لم قال: {الشَّجَرِ الأَخضرِ} ولم يقل: الشَّجَرِ الخُضْر؟فالجواب: أن الشجر جمع، وهو يؤنَّث ويذكَّر، قال الله تعالى: {فمالئون منها البُطونَ} [الواقعة: 53]، وقال: {فإذا أنتم منه توقِدونَ}.ثم ذكر ما هو أعظم من خَلْق الإِنسان، فقال: {أوَ لَيْسَ الذي خَلَقَ السَّماواتِ والأرضِ بِقادِرٍ} وقرأ أبو بكر الصِّدِّيق، وعاصم الجحدري: {يَقْدِرُ} بياء من غير ألف {على أن يَخْلُقَ مِثْلَهم}؟! وهذا استفهام تقرير؛ والمعنى: مَنْ قَدَرَ على ذلك العظيم، قَدَرَ على هذا اليسير.وقد فسرنا معنى {أن يَخْلُقَ مِثْلَهم} في [بني إسرائيل: 99]؛ ثم أجاب هذا الاستفهام فقال: {بلى وهو الخَلاّقُ} يخلُق خَلْقًا بَعْدَ خَلْق.وقرأ أُبيُّ بن كعب، والحسن، وعاصم الجحدري: {وهو الخَالِقُ} {العليمُ} بجميع المعلومات.والمَلَكوتُ والمُلْكُ واحد.وباقي السورة قد تقدم شرحه [البقرة: 117، 32، الأنعام: 75]. اهـ.
أشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم {وما علمناه الشعر وما ينبغي له} هذا حديث مرسل وروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها وقد قيل لها هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر قالت كان يتمثل بشعر ابن رواحة ويقول: أخرجه الترمذي وفي رواية لغيره أن عائشة رضي الله تعالى عنها سئلت هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر قالت كان الشعر أبغض الحديث إليه ولم يتمثل إلا بيت أخي بني قيس طرفة:{لتنذر} أي يا محمد وقرئ بالياء أي القرآن {من كان حيًا} يعني مؤمنًا حي القلب لأن الكافر كالميت الذي لا يتدبر ولا يتفكر {ويحق القول} أي وتجب حجة العذاب {على الكافرين} قوله: {أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا} أي تولينا خلقه بإبداعنا له من غير إعانة أحد في إنشائه كقول القائل عملت هذا بيدي إذا تفرد به ولم يشاركه فيه أحد وقيل عملناه بقوتنا وقدرتنا وإنما قال ذلك لبدائع الفطرة التي لا يقدر عليها إلا هو {أنعامًا} إنما خص الأنعام بالذكر وإن كانت الأشياء كلها من خلق الله تعالى وإيجاده لأن النعم أكثر أموال العرب والنفع بها أعم {فهم لها مالكون} أي خلقناها لأجلهم فملكناهم إياها يتصرفون فيها تصرف الملاك.
|